أحمد معلا يعرض «رمادي | رماد» في غرين آرت غاليري في دبي
في 20 أيلول 2011 ولمدة عشرين يوماً
هل هي رقيمات أحمد معلاّ؟ أم هي منحوتاته؟ أم مذكراته يكتبها بلغته (الهيروغليفية) الخاصة؟ الكثير من الأسئلة راودتني عند أول نظرة على كتابه الجديد «رمادي | رماد».. وشعرت ببعض من الحزن والأسى مع قراءة كلمة «رماد»، ولكن طائر الفينيق أنقذني من حزني عندما تذكرتُه وأنا أغرق في لوحات كتابه.
لا يملُّ أحمد معلاّ من إدهاشنا بجديده، وهو الذي تعود ذاكرتُه البصرية إلى عشرات الآلاف من السنين منذ كان الإنسان يرسم على كهوف جدرانه، وصولاً إلى الإغراءات اللونية وتمازجها الجميل بمطبخه المعاصر، الذي لم يترك أي لون إلا واستطاع تطويعه بما يخدم لوحته وموضوعه ومشروعه البصري. إن هذا المشروع «رؤيوي» شمولي، فأحمد معلاّ من خلال إنتاجه البصري يرى الماضي بأبعاده الإنسانية، والحاضر بحرارته ورمادياته، وكذلك الأمر بالنسبة للمستقبل، فإن المتلقي لن يجد صعوبة كبيرة في التعرُّف على رؤى المستقبل التي يتنبأ بها الفنان بين الفينة والأخرى.
من معرض «رمادي - رماد» لأحمد معلا
بصالة غرين آرت غاليري بدبي
لقد كانت الكتل البشرية وحراكها المكونَ الرئيس في أعمال معلاّ منذ عشرات السنوات في معرضه الأول بصالة أورنينا 1988، حيث بدت هذه الجموع البشرية وكأنها قادمة من كهوف أجدادنا. أما حشود «تحية لسعد الله ونوس» بمعرضه في صالة أتاسي في 1997 فقد أتت لتعبر عن هموم إنسانية تعددت أشكالها ومعانيها، منسجمة مع تقسيمه للوحته إلى خطوط عمودية وأفقية بمقاساته العملاقة وبأسوده وأبيضه وما بينهما من رماديات، وقد أدهش كل من شاهد ذلك المعرض لما فيه من غنى بصري يزيد من شحنة الإحساس باللوحات ومضامينها الغنية من نبعه الذي لا ينضب.
وها هو أحمد معلاّ اليوم يدوِّن للحاضر برمادياته، وهو صاحب الدفق اللوني الذي لا ينتهي، وهو الذي يتحول اللون بين يديه إلى أقواس قزح لا تنتهي تدرجاته. ها هو يحاكي واقعنا برمادياته وخطوطه القاسية وكتله البشرية التي يحركها في دوائر فارغة تارةً وكأنهم يدورون في حلقة مفرغة، ومتراصفين ومتقابلين بينهما ما يشبه الطريق تارةً أخرى، يتنقل بعضهم من اليسار إلى اليمين، وينظر بعضهم من اليمين إلى اليسار.
يدهشنا معلاّ في ألوانه وفي رمادياته ورماده، وهو من استطاع تطويع اللون، كما استطاع وبجدارة تطويع الحرف العربي ليكون مكوناً رئيساً للوحاته في السنوات القليلة الماضية.
من أعمال أحمد معلا الحديثة
إن هذا المبدع السوري يحل ضيفا في دبي بصالة غرين آرت غاليري في 20 أيلول 2011 ليعرض هناك رمادياته و رماده، وكأنه يقول «إن الفينيق سيعود للتحليق حتى بعد أن يصبح جسده الجميل رماداً»، لكنّه لا بد وأن يعود معلاّ إلى ألوانه التي أدمنَّا على رؤيتها ولمسها والتغني بجمالها قريباً.
من معرض «رمادي - رماد»
في الكتاب الأنيق بأسلوب إخراجي خاص، كتب معلاّ في مقدمته: «فيَّ من قبل، قبل حتى أن يستميلني الرسم، ذلك الشئ الذي يلتقط حرارة الموجودات.
حرّها، صقيعها، فتورها. يتلمّس الحرارة، يمتصّ الأجسام أشكالاً. تهتز فلا تستقرّ. إذ الاستقرار، رسوّ ورسوب.
ضحلٌ ذاك الشكل الذي يرسمه خطّ واحد. مكتملٌ إلى درجة العقم. حاضن مملوء بما يشاء مالؤوه.
خطّ منغلق على الهيئة، الشخص، على ظلّ دون سماكة.
في الظلمة، في ظل البصر، غيابه. يقترب متلمّس الحرارة من ارتسام طيف الجسد الآدمي، ذي السبع وثلاثين درجة مئوية. ينقل التماس المهتز مع الهواء، مع الحب، المرض، الغضب، التماس المتفاعل مع الماء، الخشب، المعدن، مع الصلابة، الطراوة، الإنزلاق التقشّر.. ينقل صيرورته خطوطاً تنجز هيئات مرسومة.
التباس وخلط في الشكل يفضي إلى وضوح المعنى. ترداد لا تتساوى ردّاته، يقول الجسم صوتاً واحداً. حضور ملغّز تحمله العين وكأنها قالبه. لكنه يتخلخل بين الأبيض والأسود. لا يُؤكَّد الشكل في الفنّ، بل ينزاحُ من التأكيد إلى جلال الإحتمال، وسلطان الإرتياب. يزوغ وكأن كل بؤبؤ ينشط بذاته، غاوٍ ويزمع تفخيخ الصحيح لإكثار التوقعات والنبوءات، تعديد الإحتمالات والفرص».
في العماء البارد للعقل، حيث يزداد الشك بمدى القدرة على تناول المحيط. وفهم ما يدور في الجوار، والبعيد، عبر تشابك المزيف والموارب، اختلاط المزعوم والمختلق، انصهار الظن بالخديعة؛ وانزلاق الثقافة إلى قتل الحرية باسم الحرية، أتجاوز الظالم والمظلوم إلى العدالة. الوصفة القديمة إيّاها، تلك التي تصنع الرسام / المصور، وهو يتعقّب التوازن، يعادل ويوازي. يتقصى التكامل، يجانس ويكافئ. يقتطع بحصافة (العارف الذي لايتعرّف) صورةً من محيطها الكلّي، محيط المشروع الفنّي.
يترمّد المحروق بعد النار، يترمّد النهار ليلاً، ويعلن الظلّ عالمه. قُبيل الحدث، بُعيده، بينهما، يكتظّ الخيال الراسم باحتمالات، نقبلها أو لانقبلها، نتبنّاها وربما لا نتبنّاها، لكنّ تلمّس اللوحة يقود إلى الإنجاز البصريّ الذي نشهده.
هذه التجربة بين الأسود والأبيض، بعد الأسود والأبيض، تغلُّ في رقائق الرمادي وهي تتكثف صانعة آخر تجاربي بهذين اللونين، لونان شاركاني تجربتي وعالمي منذ كنت أعيش في باريس، فقد ابتدأت هذه التجارب منذ معرضي «سورية أحمد معلّا» والذي عرضته عام 1988 في دمشق».
يفتتح معرض أحمد معلا «رمادي | رماد» في صالة «غرين آرت غاليري» في 20 أيلول 2011 ويستمر لغاية 5 تشرين الأول 2011 في دبي.
اكتشف سورية