ملتقى البزق الأول في سورية
14 تشرين الأول 2010
استعادة لألوان الموسيقى السورية
اختتمت أمس في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق فعاليات الملتقى الأول لآلة البزق في سورية، وسمي هذا المهرجان اختصاراً «ملتقى البزق» لأنه جمع بين الآلات الثلاث وهي: الطنبورة التي أتى منها البزق الذي نراه اليوم، وأيضاً كان هناك آلة الباغلمة وهي حالة مستحدثة من الطنبورة أيضاً، وقبل أن ندخل إلى التفاصيل لا بد نعرف القارئ بشكل أوسع على هذه الآلات الثلاث.
الطنبور أو الطنبورة:
آلة وترية قديمة، تمتاز بعنق طويل (الزند)، وصندوق بيضوي الشكل مغلق مع فتحة من الجانب الأيمن يشد عليه وتران مزدوجان أو ثلاثة أوتار، وذلك حسب رغبة العازف. تتركز على الزند مجموعة من الدساتين التي تحدد العلامات الموسيقية، ويختلف عددها من عازف إلى آخر، فمثلاً كان محمد عارف الجزراوي – وهو من أشهر عازفي هذه الآلة في بداية القرن العشرين - يعزف على طنبورة ذات أربعة عشر دستاناً، ويصل عدد الدساتين عند بعض العازفين إلى أربعة وعشرين وأحياناًّ ثلاثين. يعود عمر هذه الآلة إلى آلاف السنين، نشأت عند الشعوب الإيرانية، وانتشرت لدى العديد من الشعوب الأخرى، وأقدمها السومريون. كما تم اكتشاف نقوش في مصر يعود عمرها إلى 1600 ق. م للأسرة الثامنة عشر عليها صورة هذه الآلة. تستخدم هذه الآلة حالياً في تركيا وإيران والمنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من سورية وشمال العراق.
البزق:
آلة وترية من عائلة الطنبورة وتختلف عنها باعتبار الصدر أكثر وأصغر حجماً من الفتحة الأمامية، وتمتاز بصوت أكثر حدة ونعومة في آن، يتألف البزق من وترين مزدوجين (صول ودو)، ويستخدم عند العديد من الشعوب وخاصةً الشرقية منها، وقد استخدمها الرحابنة في لبنان في أغلب موسيقاهم، وفي سورية يعتبر أمير البزق الراحل محمد عبد الكريم من أبرز عازفي هذه الآلة في بداية الستينات، بالإضافة إلى العازف الكبير سعيد يوسف الذي أوصى محمد عبد الكريم أن ينتقل بزقه إليه من بعده، والذي يستمر في الإبداع على هذه الآلة منذ أواسط السبعينيات حتى اليوم، وأدى عليها ما يقارب ثلاثة آلاف أغنية والعديد من المقطوعات الموسيقية.
الباغلمة:
من عائلة الطنبورة والبزق وتختلف عنهما من حيث المقاييس، فالصدر أكبر والزند أقصر ودوزانه مختلف أيضاً (صول – فا - دو)، وأشهر عازفيها على الإطلاق الموسيقي التركي عارف ساغ، وتكاد تكون تركيا البلد الوحيد في العالم الذي يعزف فيه على هذه الآلة، بالإضافة إلى منطقة شمال سورية، حيث يبرع الكثير من الشباب في العزف عليها، ويتم العزف على الباغلمة إما باستخدام الريشة مثل الطنبورة والبزق أو بدونها (أي باستخدام الأصابع).
ملتقى البزق الأول:
على مدى ثلاثة أيام كان موعد جمهور دمشق مع أمهر العازفين على هذه الآلات، ففي اليوم الأول 10 تشرين الأول 2010، وفي القاعة متعددة الاستعمالات التي اكتظ فيها الحضور، عزف كل من سامر إيبو، رامان أوسمان، آلان يوسف، معمر أدناوي، داود خليل، زعيم كندش، معزوفات جميلة كل على آلته، وجاءت الحفلة متنوعة من حيث الأسلوب واختيار القطع الموسيقية.
أما في اليوم الثاني فكان موعدنا في ذات القاعة لنستمع إلى أمسية مختلفة اقتربت من الطابع الأكاديمي أكثر فأكثر، وعزف فيها كل من حسين إبراهيم، والثنائي عارف علوش وأحمد دالي، وآري سرحان (الذي رافقه في بعض القطع كل من همسة ملحم (بيانو)، عامردهبر (إيقاع))، أياس النحيلي، واختتم الحفل ميفان يونس حيث قدم قطعة صولو من نتاجه وقطعة أخرى رافقه فيها على العود مهند نصر.
وفي اليوم الثالث وفي مسرح الدراما وبحضورٍ يقارب الخمسمئة، اختتم الملتقى أمير البزق السوري سعيد يوسف، حيث عزف على شكلين من البزق وبدأ بتقاسيم صعبة يعجز عنها العديد من العازفين، وخاصة في طريقة انتقاله من مقام إلى آخر، حيث عزف أكثر من عشرة مقامات خلال نصف ساعة، ومن ثم عزف بعض القطع السريعة التي تعود إلى مؤلفاته خلال أربعين عاماً، ظهرت فيها إمكانياته الهائلة وسيطرته على هذه الآلة وكأنه بمرافقة أكثر من آلة.
هكذا مضت ثلاثة أيام وكأنها ساعة واحدة تعرف فيها الجمهور إلى آلات جديدة وعازفين جدد في مكان يتميز بصدره الرحب الذي يتسع لكل الموسيقيين السوريين ألا وهو دار الأوبرا السورية.
مع المشاركين:
«اكتشف سورية» التقى ببعض المشاركين ليتحدثوا عن هذه الفعالية أكثر، وكانت البداية مع د. حنان قصاب حسن مديرة دار الأسد للثقافة والفنون التي قالت عن الملتقى: «أبناء الجيل القديم من فترة ما قبل التلفزيون ما زالوا يذكرون الشارة الموسيقية القصيرة لإذاعة دمشق، والتي كانت تتكرر قبل افتتاح البرامج، هذه الشارة كان قد وضعها وعزفها محمد عبد ا لكريم الذي عرف بأمير البزق لأنه أدخل تلك الآلة إلى وعينا الموسيقي، وعرّفنا بها لينقلها بذلك من التراث الشعبي إلى مصاف الآلات الرسمية المعتمدة في الأوركسترا. وقلائل هم من يعرفون أن عاصي الرحباني كان عازفاً ماهراً على البزق، وقد أدخل تلك الآلة في توزيع كثير من الأغاني مثل "يا حلو يا قمر"، "هيك مشق الزعرورة " وغيرها، فطربنا لها. فأن تعرف آلة البزق على مسارح أوبرا دمشق يعني أن هذه الآلة وأخواتها من نفس العائلة (الطنبورة والباغلمة) تستحق أن تكرّس كآلة عظيمة. أن تؤلف لها المقطوعات وتقدم في المهرجانات، هذا المهرجان يهدف إلى الاحتفاء بآلات تشكل جزءاً هاماً من التراث الموسيقي الشعبي السوري، والتعريف بها والترويج لها لحفظها من الضياع. كما يهدف لتعريف جمهور دار الأوبرا على مجموعة من العازفين البارعين. منهم من اشتهر واحتل مكانة مرموقة في المهرجانات العربية والعالمية. ومنهم من تعلم العزف وحده ببراعة مدهشة، وتقديم هؤلاء العازفين هو جزء من محور دعم أشكال التعبير الموسيقية الأصيلة الذي ترمي أوبرا دمشق لتكريسه ضمن برنامجها بشكل دائم».
حسين إبراهيم (مشارك):
«تأتي أهمية هذا الملتقى في تعريف الناس بهذه الآلة وعائلتها (البزق – الطنبور - الباغلمة) والألوان المتعددة التي تتميز بها، وأيضاً إظهار إمكانيات الآلة المختلفة في تأدية بعض القطع الأكاديمية التي تتطلب تأديتها إمكانيات عالية من التدريب والتمكن والسيطرة على الآلة، بالإضافة إلى التعريف بعازفين لم يكونوا معروفين على الساحة الفنية بسبب إهمال الآلة إعلامياً، فالتنوع كان أهم سمة لاحظناها في الملتقى، من خلال ما سمعناه من موسيقى سواءً الشعبية الفلكلورية (ذات الأهمية الموسيقية الخاصة) أو الأكاديمية منها، ولذا كان من الضروري إقامة ندوات وورشات عمل عن هذه الآلة وإمكانياتها الموسيقية».
زعيم كندش (مشارك):
«الملتقى الأول للبزق يعتبر عيد الميلاد الأول لهذه الآلة الموسيقية القديمة الولادة، وتعرفها الأول على أسرتها من الآلات الموسيقية. هذه الآلة الموسيقية التي انفردت بذاتها منذ زمن طويل، أصبحت الآن فرداً من أفراد عائلة الآلات الموسيقية، هذا طبعاً بعد الجهد الكبير الذي بذلته إدارة الملتقى لأجل تقديم هذه الفرصة لمحبي آلة البزق، وإظهار مدى الإمكانيات والقدرات الفنية والجمالية لهذه الآلة الموسيقية وإعطائها طابعاً رسمياً بين الآلات الموسيقية الأخرى. أشكر جميع الذين شاركوا من العازفين والحضور وبالدرجة الأولى الإدارة التي بذلت الكثير من الجهد للتواصل بين الحضور والعازفين، وأتمنى متابعة هذا الملتقى الرائع من حيث العازفين والحضور والإدارة في المراحل القادمة».
ميفان يونس (مشارك):
«سألت الإعلامي إدريس مراد بعد أن أبلغني عن الملتقى: كيف سيكون الملتقى؟ وما هو الإطار العام للملتقى؟ فكان الجواب: هي عبارة عن سهرات للبزق كما تعقد في المنازل عادةً، وبالفعل هذا ما حصل، ثلاثة عشر عازفاً، وثلاثة عشر لوناً وفكراً وشخصاً على مدار ثلاثة أيام، أتاحت الوقت لكل عازف أن يطرح فنه خلال ربع ساعة أظنها كافية، "فإن خير الكلام ما قل ودل"، وهكذا كان العازف يظهر فنه كما هو دون أي تقييد أو توجيه، بالرغم من أن الملتقى هو الأول، وفكرة طرح آلة البزق بهذه الصورة قد أكسبها ولا شك ميزة خاصة، فقد اكتسب الملتقى ميزات أكبر بعد تنفيذه وطريقة إدارته وتفاعل الحضور مع أغلب الأنماط المقدمة وإقبال وسائل الأعلام لتغطيته، فهذا يعطي للعازف والفنان ثقة أكبر وفرصة لتقديم نفسه خصوصاً أن دار الأسد للثقافة والفنون هي المكان الأمثل كي نقدم فيه مثل هذا العزف، كما أن الملتقى أتاح الفرصة للقاء العازفين والفنانين مع بعضهم البعض، وتبادل وجهات النظر. أمنيتي أن يكون الملتقى القادم فيه فرصة أكبر للنقاش حول العزف وأن يكون هناك ورشات عمل كبيرة وندوات حول آلة البزق ودعوة عازفين وباحثين مختصين، فشكراً للقائمين على هذا المشروع».
معمر أدناوي (مشارك):
«يشكل الملتقى الأول لآلة البزق سبقاً موسيقياً هاماً من حيث الفكرة والتنظيم بإحيائه لعائلة (البزق ـ الطنبور ـ الباغلمة) بحيث يتيح لجمهور الأوبرا الذي اعتاد سماع أنواع مختلفة من الموسيقى أن يستمع وعلى مدى ثلاثة أيام لهذه الآلة برنينها الروحاني الجميل».
سعيد يوسف (أحيى حفل الختام):
«لا بد لهذه الآلة أن تأخذ مكانتها في التخت الشرقي الموسيقي، وهذا الملتقى ليس دليلاً إلا على ذلك، واللقاء بين هؤلاء الشباب وقدرتهم المميزة على العزف يملؤني بالأمل بأن هذه الآلة لن تندثر، بالإضافة إلى وقوف وسائل الإعلام إلى جانبنا من خلال تغطيتها لهذا النشاط الموسيقي،أشعر بفرح لا مثيل له في هذا اللقاء فشكراً لكل القائمين على هذه التظاهرة وشكراً لكل وسائل الإعلام التي رافقتنا وخاصة التلفزيون السوري ولكل شخص حضرنا».
إدريس مراد - دمشق
اكتشف سورية
أمير البزق سعيد يوسف في ملتقى البزق الأول في دار الأسد للثقافة والفنون |
العازف زعيم كندش في ملتقى البزق الأول في دار الأسد للثقافة والفنون |
العازف سامر إيبو في ملتقى البزق الأول في دار الأسد للثقافة والفنون |
محمود حسن :
اروع آلة عرفها التاريخ منى عيني أشتريها وأتعلم العزف عليها
فلسطين