الوزن والتوازن الذي تُبنى عليهما حياتنا 11/حزيران/2008
تعكس لوحات الفنان التشكيلي وليد المصري المُكرّرة والبالغ عددها 25 لوحة في معرضه الفردي الذي يُقام في غاليري أيام ابتداءً من 7 حزيران 2008 والذي يستمر لغاية 19 منه، تعكس ما يجيش في دواخله من تغيرات عاطفية، وانفعالية، ووجدانية وحتى الوجودية تَمثلت في تشكيلات سطوحه القماشية واختزالاته اللونية.
تبدو مجاميع لوحات وليد مهووسة بشبح الكرسي واللطخة السَّخية بالنور والمادة، مما يقلل من أهمية الموضوع خلال مراجعته المكررة كل مرة. وهنا يقع امتحان رَهافة المتفرج في اكتشاف التغيرات الوجدانية والوجودية في طرق تعبيراته التشكيلية واختزالاته اللونية لحد التقشّف. تنَسلّ كرسيه إلى الفراغ من أعلى اللوحة، وكثيراً ما تبقى أجزاء منها خارج اللوحة، فتبدو أقرب إلى الإلماح منها إلى التصريح، كذلك تمتد فضاءاته المترامية تمتد خارج الحدود التربيعية للوحة.
وعنه يقول الفنان التشكيلي أسعد عرابي، والباحث في جماليات الفن العربي والإسلامي: «تقع مغامرة فناننا الشاب في برزخ متوسط، بين انتسابه الصريح إلى حساسية ما بعد الحداثة وإلى الشق الثاني وهو المعاصَرة، لذلك يبدو تصنيفه النقدي ليسَ حاسماً أو مطلقاً. وهنا تحضرني الحالة الأقرب إلى حالة وليد المصري، وهي تجربة المعلم الأمريكي الأشد تأثيراً روشنبرغ الذي قاد الحداثة والمعاصَرة لأكثر من نصف قرن، كما يُعتبر أيضاً أول من استخدم عنصر الكرسي في الستينات ليقلب مفاهيمه وذاكرته، لكن كرسي وليد المصري يبدو أشدَّ شبحية رغم المواصفات العدمية-الحدسية-الصدفوية المشتركة، فيستعير هيئته، ولكنه يدعونا بطريقة تدميره إلى نسيان دلالته حتى يشارف حدود التجريد، ولكنه ليس تجريداً لأنه يستعين بدلالة الكراسي، بَل لأنه عندما يقذف بالإشارة أو اللطخة الصباغية يخلصها من بُعدِها الغنائي، فتتشي مثل الكرسي وتصبح إشارة عدمية ترسم هول الفراغ وصمته وخواءه حتى ليبدو الفراغ أشد أهمية من الامتلاء أو الشكل، فتخدش هذه اللطخة بكارة الفضاء وترسم ترامي أطرافه التربيعية بفعل وسلوك فرشاةٍ سادية عبثية صدفوية».
ويجد الفنان المصري «أن الرسم ليس وليد اللحظة، إنما هو عملية تراكم وتكريس وتمثيل لحياة نعيشها وعملية تطور لأحداثها التي لا يمكن حدّها أو تقرير وجهتها، فالأمر ليس بقرار إنما القرار يكون نتيجة الجدل»، وبما يخص لوحاته يقول الفنان: «لوحتي تريد أن تقول ما يراه المشاهد فيها، ففي البداية كنت أعالج فيها الشيء الذي أشعر به وأحسه، وبعد نِتاجها أصبحتْ كائناً معزولاً عني تخصّ المُشاهد الذي يبحث فيها عن عناصره». ويتابع المصري «قد تبدو اللوحة تجريدية، على أنها حقيقة عكس ذلك. فالتجريد فيه حالة غموض غير معروفة، فيه غوص وتعمق أكثر بالمفردات وفلسفتها أثناء تشكيل اللوحة، ولوحاتي خلاف ذلك حيث الشكل الواضح الذي تستطيع محاورته. أما بالنسبة للطّخة الصفراء، فهي الموزون الحقيقي للكرسي صاحب الرمز البسيط الموجود في حياتنا والمفردة المعتادين عليها لدرجة أن الكل يفهمها، وبالتالي لا توجد صعوبة في تحليل هذه الخطوط وإلى أين تريد أن توصلنا، مع التأكيد على أنها ليست بالضرورة أن تكون تعبير عن شيء أو بغاية إيصال رسالة وإنما قد تكون تعبير عن ذاتها».
ويضيف المصري «التكرار على وجودها في 25 عمل يلغي وجودها ككرسي، بحيث لم يعد هنالك أهمية للكرسي بحد ذاته، إنما الأهمية فيما يريد قوله من خلال هذا التكرار وماذا يريد أن نرى من خلاله، وتباعاً لهذا التكرار وجدت اللطخة الصفراء التي استعضت بها عن الظل وكشيء يوحي بالوزن والتوازن الذي تُبنى عليه حياتنا».
يذكر أن وليد المصري من مواليد دمشق عام 1979، خريج كلية الفنون الجميلة عام 2005. من معارضه الفردية معرض في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق عام 2006، والمركز الثقافي السوري في باريس عام 2007، ومعرض دار الندى في الأردن عام 2008. حاصل على الجائزة الثانية في معرض «ألوان دمشق» في غاليري مصطفى علي بالتعاون مع المفوضية الأوروبية عام 2005، والجائزة الثالثة عن مسابقة «أيام» الأولى للفنانين السوريين الواعدين في غاليري أيام عام 2007.
|