مسلسل أنا القدس: حكاية ملحمية بأبعاد إنسانية
تختلط فيها المادة التاريخية بالأحداث السياسية
تولد حكاية «عبدالله» و«إيمان» في قلب مأساة المدينة المقدّسة بين عامي 1917 و1967. فخلال تلك الأعوام الحاسمة من تاريخ الصراع على المدينة، عانى أهالي القدس مرارة الحروب والثورات، والتحولات السياسية والاقتصادية التي أثّرت في مصائرهم، وحالت دون اكتمال أحلامهم. وفي مسلسل «أنا القدس»، يبدو الفرح عابراً والحلم مستحيلاً، بينما يطل الحزن من وجوه الشخصيات، التي يطغى الهم الوطني على تفاصيل حياتها اليومية، في إطارٍ درامي يجمع بين الحكاية الإنسانية والوثيقة التاريخية، نسجه باسل الخطيب مع شقيقه تليد على مدى سنوات، انطلاقاً من رواية كتبها باسل في العام 1990، وحملت عنوان «أحلام الغرس المقدس».
عبد الله شاب من أهالي القدس، يملك مـُحترفاً لصناعة المشغولات التراثية الفلسطينية، أما إيمان فهي فتاة فلسطينية تنشأ في مصر مع والدتها، وتمضي في القاهرة بداية حياتها، قبل أن تعود للاستقرار ببلدها فلسطين، فتتزوج من عبد الله، ويثمر هذا الزواج عن ولدين. إلا أن الأقدار والأحداث الكبرى التي تتصل بمصير المدينة المقدسة تقف في وجه سعادة هذه العائلة، إلى أن تلفظ إيمان أنفاسها الأخيرة موتاً من القهر. وفي جانبٍ آخر من المسلسل الذي تمتد أحداثه على مدى جيلين تقريباً، ينتقل الصراع على القيم إلى عائلة عبد الله، فيذهب أحد ولديه للدراسة الجامعية خارج فلسطين، ويعود بعد أربع سنوات حاملاً أفكاراً وقيماً جديدة، الأمر الذي يخلق هوّة بينه وبين أخيه المتمسك بالقيم التي نشأ عليها.
رصدنا تلك التفاصيل خلال زيارة «اكتشف سورية» لموقع تصوير مسلسل «أنا القدس»، يوم الاثنين 10 أيار 2010. ففي بيتٍ أثري ببلدة مشتى الحلو السورية، يتم تجسيد عددٍ من فصول هذه الحكاية. إن كل ما في هذا البيت يذكّر المتلقي بصور القدس، وأدراجها، وزواريبها، وحجارتها العتيقة.
وفي الكواليس بدت لنا غرف الملابس تتكدس بالأزياء التي تستعيد التراث الفلسطيني بحـِرَفيةٍ مُتحَفيـّة، الماكياج يغطي وجوه الممثلين بالحزن، ومن وراء الوجوه يطلُ الحنين، وبين المشهد والآخر كنـّا نقتنص التصريحات، لإرواء فضولنا حول طبيعة الشخصيات التي يؤديها الممثلون، وأسمائها، وما يمكن إفصاحه عن مصائرها.
يؤدي دورَ عبد الله الفنان عابد فهد، الذي كشف في تصريح لموقع «اكتشف سورية» بعضاً من التفاصيل التي تتعلق بهذه الشخصية قائلاً: «يتعرض عبد الله كأي فلسطيني للاضطهاد، والقتل والتشرد. يموت والده أثناء مشاركته في الجهاد، ويفقد معمله الذي يصنع فيه التحف الفلسطينية، التي تمثل العادات والتقاليد والبيئة والذاكرة. إنني أرى في شخصية عبد الله وحرصها على التراث والقيم الأصيلة إشارةً مهمة لعملية التهويد التي تتعرض لها القدس اليوم». وختم بالقول: «يمثل عبد الله الإنسان الوطني الشريف، الذي يحمل على عاتقه القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، ولا يمكن أن يتنازل عن أي شيء يمسُ بالتراث الفلسطيني».
أما دور إيمان، فتلعبه الفنانة رنا العظم، التي تشاركه هموم النضال في سبيل القضية الفلسطينية، الأمر الذي ينعكس على حياتهما معاً. فبعد مضي وقتٍ قصيرٍ على زواجهما، تـُقطَع رِجلُ زوجها في إحدى المعارك مع العدو الصهيوني، وتصبح المحافظة على حياة زوجها شغلها الشاغل. وتقودها معاناتها إلى نهاية مأساوية، حيث تموت من القهر. ترى رنا أن دورها في المسلسل ضمن الأدوار الصعبة التي لها علاقة بسيكولوجيا المرأة والزوجة، حيث تعاني مستوياتٍ مختلفةٍ من الصراع، منها ما له علاقة بظروف حياتها الصعبة مع زوجها، وهمّهما الوطني المشترك، وحالة التمزق بين حبها للقدس، وحنينها لبلدها الثاني مصر حيث ذكريات الطفولة، في وقتٍ تعاني فيه أيضاً من تعامل الأشخاص المحيطين بها. وقد وصفت رنا مشاركتها في هذا العمل بقولها: «إنها شرف لأي ممثل عربي».
من جهتها، أعربت الفنانة صباح الجزائري عن سعادتها بالمشاركة بمسلسل يتناول القضية الفلسطينية: «قضية الجميع»، كما تقول، مبينة لنا أنها تعمل بجهدٍ عالٍ في أدائها لشخصية «أم عبد الله»، خاصةً أن النص: «مكتوب بدقة وعناية، والأستاذ باسل الخطيب كتب مشاهدَ مذهلة في العمل»، وتمنّت أن يصل هذا الجهد في الأداء إلى قلوب المشاهدين لأنه يحاكي ضمائرهم.
مايسترو العمل، المخرج باسل الخطيب، عبّر عن مدى الجهود الكبيرة التي يتم بذلها في المسلسل، سواءً على مستوى النص المكتوب، أو الإخراج، أو أداء الممثلين. فعلى صعيد السيناريو، يقول الخطيب: «حاولنا أن نمزج بين المادة التاريخية والأحداث السياسية من جهة وبين الخيوط الدرامية التي لا غنى عنها في أي مسلسل تلفزيوني من جهة أخرى، وهنا واجهتنا صعوباتٌ حقيقية، في التوفيق بين السياق التاريخي للأحداث التي يمر بها كبار رجالات القدس، وبين رسم المصائر لأشخاص بسطاء يؤدون الوظيفة الدرامية في هذا العمل». كما يصف الخطيبُ المسلسلَ بكونه: «ملحمة إنسانية بالدرجة الأولى، في حين تأتي الوقائع السياسية في الدرجة الثانية كخلفية لأحداث المسلسل». يبدو أن الخطيب قد استعان بالمشاهد الوثائقية لدعم الأحداث في العمل، ومن بينها مشهد تظهر فيه السيدة فيروز أثناء زيارتها للقدس في العام 1965.
وقال باسل الخطيب إن حرصه على التنوع في اختياره للممثلين يعود لعدة أسباب، منها أن القدس كانت منارة تستقطب أهم المفكرين والأدباء والفنانين والشعراء العرب في تلك المرحلة. وأشار في هذا السياق إلى مشاركة الممثل المصري فاروق الفيشاوي في المسلسل، حيث يؤدي دور شخص من أهالي القدس غاب عنها فترة من الزمن بسبب إقامته في مصر، ثم رجع إلى المدينة واستقر فيها، وأصبح جزءاً من الأحداث التي تمر بالمدينة. وقد اعتبر الخطيب أن مشاركة الفيشاوي وغيره من الممثلين العرب في هذا العمل تساهم في إيصال رسالة مفادها أن القدس لا تعني الفلسطينيين فقط، وإنما العرب جميعاً.
وفيما يتعلق باختياراته لأماكن التصوير، التي تشمل العديد من المدن السورية التي تتشابه مع البيئة الجغرافية والأثرية لمدينة القدس، منها دمشق القديمة، وصافيتا، وحماه، ومشتى الحلو، يقول الخطيب: «عثرنا على مجموعة من البيوت التي تشبه بيوت القدس إلى حدٍ بعيد، ببنائها، وحجارتها، وطريقة توزيع الغرف من الداخل، كالبيت الذي يتم فيه تصوير عدد من المشاهد هنا في مشتى الحلو. فقد تطلَّب التصويرُ القيامَ بترميم كامل لهذا البيت، لتفوح منه رائحة الزمن والحياة، ويكون قريباً من أجواء المسلسل». الجدير ذكره أن المسلسل قد واجه صعوبات كبيرة في الحصول على تمويل، قبل أن يتمكن الخطيب من إنتاجه بتمويل سوري مصري مشترك يجمع بين شركة «جوي» التي يملكها الخطيب وشركة «أفلام محمد فوزي» المصرية.
بانتظار اكتمال تصوير مسلسل «أنا القدس»، الذي أجمعت الأطراف المشاركة فيه على طبيعته الملحمية وأبعاده الإنسانية، سيكون موعد العرض في شهر رمضان المقبل، بمشاركة نخبةٍ من نجوم الدراما السورية والعربية بينهم: صباح جزائري، وعابد فهد، وكاريس بشار، وتاج حيدر، وتيسير إدريس، وصبا مبارك، ومنذر رياحنة، رنا العظم، ومحمد رافع، وفاروق الفيشاوي.
محمد الأزن - دمشق
اكتشف سورية
عابد فهد بدور «عبد الله» في مسلسل «أنا القدس» |
باسل الخطيب أثناء تصوير أحد مشاهد مسلسل «أنا القدس» |
عابد فهد في أحد مشاهد مسلسل «أنا القدس» |