ممدوح عدوان: في ذكرى هجر الكلمة

24 12

أن تهجر الكلمة صاحبها متقية هجير أفكاره لأمرٌ مستحيل، فهما متلازمان تلازماً عضوياً لا ينقطع؛ لكن الأصعب والأدهى أن يهجر صاحب الكلمة كلماته وأفكاره، وهو أمر يفرضه واقع الحياة التي نعيشها، والذي يتلخص بأن نهاية كل إنسان هي الموت. مع أصحاب الكلمات والأفكار قد يختلف معنى الموت أيضاً، فالموت الجسدي لا بد متحقق، ولكن هل هي النهاية؟ يكفي أن نتصفح أحد دواوين ممدوح عدوان أو كتبه وننهل من معين أفكاره كي ندرك أننا لا نزال في حوار دائم مع هذا الأديب المفكر، حوارٍ شفاف صافٍ كتسلسل أفكاره أو ثائرٍ كهيجانها، ولندرك ببساطة أن الكلمة ظلت وفية لخالقها الأول فأدخلته أفياء الخلود في عقول الآخرين ومداركهم.

يوم الأحد الماضي حلت الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر والأديب الكبير ممدوح عدوان، الذي وافته المنية في 20 كانون الأول 2004، ورحل عن دنيانا بجسده تاركاً تراثاً كبيراً من الشعر والرواية والمسرحية والأعمال التلفزيونية. وتذكّر ممدوح عدوان يقودنا دائماً إلى ذلك الأسى المستمر النابع من فقدان المبدع بعد وصوله إلى ذروة المجد والإبداع، وكأن الشجرة بعد أن تجاوزت سنوات القحط وأخطار النمو، فأينعت أغصانها وأزهرت أوراقها وأصبحت تطعم الناس من لذيذ ثمارها، فإذا بها وهي في عز الإنتاج والإثمار، ينتابها اليباس فتذوي أمام متذوقي طعمها وحلاوتها دون أن يكون لهم حول ولا قوة في إيقاف هذا المسلسل الحزين. شهدنا ذلك مع أديبنا الكبير محمد الماغوط ومع مسرحينا البارز سعد الله ونوس وغيرهما الكثير. وها هو المرض يختطف من بين ظهرانينا مبدعاً لمّا تنته زهوة الإبداع عنده بعد، بل هي على وعد النمو والمزيد من الإنتاج والكتابة.

ثلاثة وستون عاماً عاشها ممدوح عدوان وهاجس البحث الدائب يتملكه، مذ كان طفلاً في المدرسة يتنقل في القرى والأرياف مع والده حتى استقر به المطاف في مصياف، ومنها انتقل إلى الجامعة في دمشق بعد فترة انتظار، والتي كانت نافذته على عالم الفكر والثقافة والمعرفة، فانطلق يغرف منه بلا شبع، ومع تعرفه على مجلتي «الآداب» و«شعر» توصل إلى الدرب التي سيطلق فيها أعنة خيول طاقاته الكبيرة، إنه عالم الشعر والأدب والفن.

ممدوح عدوان الذي تنوعت قنوات إبداعه، فكتب الشعر والرواية والمسرح والمقالة والترجمة والسيناريو التلفزيوني، وأثرى المكتبة العربية بما يقارب السبعين كتاباً في مختلف هذه المجالات التي أجاد فيها، أضاف للشعر نكهته العدوانية الخاصة، وللمسرح والرواية ذلك النفس المتمرد الذي لا يرضى بأنصاف الحلول ولا الحلول، بل هو باحث دائب عن معنى الإنسان وجدوى وجوده في هذا التيه المسمى بالحياة، في تطلع مستمر إلى لا نهايات تفرضها شاعريته الأكيدة.

في ذكرى رحيل الأديب الكبير لا نملك سوى الأمل أن لا يُترك تراثه الكبير بعيداً عن مستحقيه الحقيقيين، وهم الناس الذي كتب لأجلهم ممدوح عدوان ولهم، وربما تُعاد قراءته من قبل جيل الشباب الذي يمثل ما كان ممدوح يضعه نصب عينيه دائماً: المستقبل.

محمد رفيق خضور

اكتشف سورية