العلاقة بين تدمر ودورا أوربوس (صالحية الفرات)
12 حزيران 2007
1ـ علاقة تدمر بالفرات:
علاقة تدمر بالفرات علاقة قديمة فرضتها الطرق التجارية والظروف السياسية، وربما تعود أقدم علاقة بينهما إلى فترة سلالة أور الثالثة حيث كانت مدينة أور الواقعة على الفرات ذات صلة تجارية بقطنا وجبيل (جوبلا) كما كان الطريق التجاري الجنوبي هذا يضم الطريق المار بتدمر. وكما أكدت الحفريات الجديدة التي قام بها دومنيل دوبوسون في تدمر فإن هذا التاريخ سيبرهن قدم تدمر التجاري رغم معرفتنا السابقة بذلك من خلال العثور على غلاف رقيم مسماري في كولتبه (كانيش) يحمل اسم شخص تدمري وختمه يعود إلى العصر الآشوري القديم، وهذا دليل على أن بعض الأشخاص من تدمر كانوا يرافقون القوافل التجارية للوصول إلى بلاد الأناضول. أما علاقة تدمر بـماري في الفترة العمورية فهي جزء من العلاقة التجارية أيضاً، ومن المعروف أن الاتصال بين سورية وبلاد الرافدين كان يتم عن طريقين، طريق شمالي يساير الفرات إلى حلب (يمحاض) وطريق جنوبي كان يساير الفرات الأوسط عند ماري ليصل إلى قطنا عبر تدمر وبعض الواحات. وتذكر الرقم المسمارية المكتشفة في ماري أن أخشاب الأرز وغيرها كانت تمر من قطنا لتصل إلى الفرات عبر تدمر.
ويطلعنا أحد الرقم المسمارية من أرشيف ماري أن غزوة مؤلفة من 60 شخصاً قاموا بغزو تدمر ونازالا (القريتين). كذلك يدل الرقيم المسماري من ماري أن الوالي يسمع حدد ولد الملك الآشوري شمشي حدد ربما سافر من ماري إلى قطنا مروراً بتدمر وذلك تجنباً لطريق حلب الشمالي حيث كان الملك زمر ليم يحل مهاجراً في حلب بعد زوال عرش والده في ماري. كذلك يوصي شمشي حدد بأن تزود القافلة التجارية بالمؤن لمدة عشرة أيام من ترقا الواقعة على الفرات لكي تصل إلى قطنا. وهذه المدة الزمنية تدلنا على أن الطريق الذي سلكته القافلة من تل العشارة (ترقا) نحو (قطنا) كان عبر تدمر وليس الطريق الثاني ترقا ـ إيمار ـ حلب ـ قطنا.
تفيدنا الرسالة التي بعث بها حاكم قطنا إلى يسمع حدد في ماري والتي لا يقبل فيها طلبه من أجل رعي الأغنام بمراعي قطنا الممتدة إلى مراعي تدمر أن البادية كانت تقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول لمملكة (يمحاض) (حلب) في الشمال والثاني لقطنا (المشرفة) في الشمال الغربي ومنها بادية تدمر والثالث لماري في الجنوب الشرقي. وفي العصر الآشوري الأوسط يذكر الملك تغلات فلاصر الأول (القرن 11 ق.م) في حولياته أنه لاحق في تدمر الأخلامو وانتصر عليهم وأن تدمر تقع في منطقة الآمورو، والجدير بالذكر أن التعبير آمورو هو دلالة على منطقة جغرافية وليس معنى سياسياً عشائرياً وضم تدمر ومنطقة الفرات.
وفي العصر اليوناني كان الإسكندر الكبير يطمح إلى الاستيلاء على طريق الحرير إلا أنه لم يحقق حلمه هذا وعاد من الهند ليتوفى في بابل عام (323 ق.م) بعد أن سيطر على النصف الغربي من هذا الطريق، أما النصف الشرقي الذي يبدأ من (لاو يانغ) في الصين عبر صحراء ثم عبر (تالاماكان) ثم عبر (لي هوانغ) باتجاه بلاد الرافدين ليحط بمرفأ (فولوجسيا) الواقع على الفرات ثم تأخذ القوافل التجارية تتابع طريقها لتصل إلى دورا ثم تسلك طريق البادية باتجاه تدمر. وكان لابد من حماية تلك القوافل من الغزو والنهب إما عن طريق ضمان سلامتها من خلال ما يدفع لشيوخ القبائل من أتاوات سنوية أو إنشاء مواقع تؤمن الحماية من جهة والاستراحة من جهة أخرى أو تأمين الجند والمرافقين، وهكذا لعب الجيش الدور الأساسي فأصبح قوة تفوقت على العشائر والأعراب من خلال الحاميات العسكرية التي أنشئت في عانة والحيرة والحضر ودورا أوروبوس. ولقد قام السلوقيون ببناء حصن في مدينة تدمر ويعتبر هذا الحصن واحداً في سلسلة من الحصون التي أقامها السلوقيون لتصل إلى الحصون على الفرات مثل دورا أوروبوس ذات الصلة الوثيقة بتدمر.
وفي العصر الروماني أولى الإمبراطور هادريان عناية كبيرة بمدينة تدمر واعتنى بشكل خاص بحماية الطرق البرية التي تصلها بنهر الفرات الذي اعتبره أحد الشرايين الهامة في التجارة. فقد كانت دورا أوروبوس المدخل والمرفأ الأول بعد وصول أو مغادرة القوافل البرية أو النهرية لتسلك طريقها على يمين أو يسار مجرى النهر أو لتأخذ مسارها عبر البادية بعد أن تترك المدينة المحصنة من خلال بوابتها الرئيسية المطلة على البادية والمسماة (بوابة تدمر) وقد سعى هادريان لتحسين صلاته بـالفرس والمحافظة على الأمن في طريق البادية وأوصل حامياته على شواطىء الفرات. ولقد لعب التجار التدمريون دوراً هاماً في شواطىء الفرات مثل إقامتهم معبداً في مدينة (فولوجسيا) التي مر ذكرها كأحد الموانىء الهامة على الفرات. وقد استفاد الرومان من التدمريين في حماية الطرق البرية وكلفوا أمر الدفاع عن دورا أوروبوس إلى الكردوس التدمري العشرين الذي أوعز له أيضاً بحراسة أمكنة الاستراحات وقد لعب أذينة ملك تدمر دوراً كبيراً في الضغط على الفرس الذين استولوا على دورا أوروبوس وكان من نتيجة هذا الضغط تركهم للمرفأ الهام وعودة الحامية الرومانية إليه، مما رفع من شأن أذينة وأصبحت دورا مركزاً هاماً لنشاط الجالية التدمرية التي استقرت فيها.
ونجد العلاقة بين تدمر والفرات وشيجة من خلال إقامة زنوبيا ملكة تدمر معقلاً وحصناً هاماً على الفرات (حصن زنوبيا) المعروف اليوم بآثار حلبية وزلبية.
وتروي بعض المصادر أن زنوبيا أرادت طلب المعونة من سابور ملك الفرس عند حصار أورليان وهربت حتى وصلت الفرات وتم أسرها هناك.
وفي العهد العربي الإسلامي في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي أصبحت تدمر وقلعة الرحبة الواقعة على الفرات وقرقيسيا عند مصب الخابور بالفرات تابعة لأمراء حمص حيث اقتطعت حمص وسلمية وتدمر والرحبة لأسد الدين شيركوه. وفي العهد العثماني وعند تنظيم التقسيمات الإدارية عام 1870 م أصبحت تدمر ناحية تتبع سنجق دير الزور.
2ـ علاقة تدمر بدورا أوروبوس:
وجدنا أن العلاقة السياسية والتاريخية بين تدمر والفرات غائرة في القدم، وتبدو هذه العلاقة في أوضح صورة لها من خلال مدينة دورا أوروبوس (صالحية الفرات) ليس فقط في العلاقات السياسية فحسب، بل في العلاقة التجارية والفنية والدينية وذلك بسبب وقوعها على الطريق التجاري الجنوبي القديم وطريق الحرير فيما بعد. وعندما نجد ذكراً لتدمر في الألف الثاني ق.م نجد ذلك أيضاً لدورا أوروبوس من خلال رقيم مسماري عثر عليه فيها ويعتبر دليلاً على الاستيطان في هذا الموقع منذ تلك الفترة. كذلك برهنت التنقيبات الأثرية الحديثة على الاستيطان في الفترة الآشورية القديمة والحديثة كما هو الحال في تدمر كما مر ذكره، ومن المرجح أن تكون العلاقة بين المدينتين تعود إلى تلك الفترة. أما الدليل الواضح لوجود التدمريين في دورا أوروبوس فيبدو خلال إشادتهم معبداً كرس لإله تدمر بل وأرصو والذي يعود بناؤه إلى عام 32 ق.م.
3ـ العلاقة الدينية بين دورا أوروبوس وتدمر:
عثر في دورا أوروبوس على العديد من المعابد ينوف عددها على خمسة عشر معبداً يعود أصول بعضها إلى عبادة الأرباب المعروفة في الشرق القديم في بلاد الرافدين مثل بل (بعل) وعشتار كما هو الأصل في الأرباب المعروفة في تدمر. كذلك نجد منذ تأسيس الدولة السلوقية وفي العهد الروماني أن هذه الأرباب قد اتحدت مع الآلهة اليونانية والرومانية مثل زيوس وأدونيس وأرتيميس وهرقل وغيرها أو اتحدت مع آلهة الفرس مثل ازناتكونا. وقد نقل التدمريون عبادة آلهتهم إلى دورا أوروبوس وكرسوا لها المعابد وزينوها برسوم جدارية وتماثيل تحاكي الفن التدمري ومثلوا أربابهم كما في المنحوتات التدمرية يحملون السلاح ويرتدون الدروع كما هو الحال في تمثال (عفلد) المحفوظ في المتحف الوطني بدمشق أو تمثال (يرحبول) المحفوظ في جامعة ييل. من هذه المعابد معبد بل (أو المعبد التدمري) الذي يعتبر من أضخم المعابد في دورا أوروبوس والذي عثر فيه على لوحات جدارية ذات مواضع عديدة ومنها صورة للرب بل مع شريكيه يرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر) وهم في نسق واحد بالزي العسكري مستندين على أسلحتهم تشبه المنحوتات التدمرية. وقد عثر على منحوتة للإله يرحبول محفوظة في جامعة ييل مرتدياً درعاً قصيراً ومستنداً على رمحه مخطوطاً بالكتابة التدمرية.
كذلك كرس التدمريون معبداً للرب بعلشمين المعروف باسم معبد زيوس كيروس. وأقيم له منحوتة وهو جالس على كرسيه حاملاً غصناً ويقف أمامه شخص بلباسه التدمري. وهذا الرب ورد من الساحل السوري إلى تدمر ومن هناك بواسطة التدمريين إلى الفرات. وقد عثر في تدمر على معبد للرب نبو الابن البكر للإله البابلي مردوخ رغم عدم تخصيص معبد لهذا الإله في دورا أوروبوس إلا أننا نجد له تمثالاً مخطوطاً بالخط التدمري "عمل زبدا بن زبدلات" واسم هذا الشخص الذي قدم هذا التمثال من الأسماء التدمرية الشائعة جداً. ونجد التشابه في المعتقدات الدينية بين المدينتين من خلال عبادتهم للأرباب العربية المعروفة في تدمر. والمنحوتات التي وجدت في دورا أوروبوس ليست على سوية واحدة بمنجزاتها الفنية لكنها تجسد وتبرهن على عبادة هؤلاء الأرباب مثل اللات وأرصو ومنوه (مناة) التي اتحدت في دورا مع الربة (نيميسيس) ربة المصير المحتوم، وعشيرو وسعد وكذلك الربة السورية عترغاتيس، التي كرس لها معبد خاص في دورا أوروبوس نجدها وبجانبها زوجها حدد في منحوتة واحدة. وعبادة حدد معروفة في دورا أوروبوس ويبدو على منحوتة بمفرده جالساً ويحمل بيده سلاحاً وخلفه رمزه الصاعقة.
ومن الآلهة المعروفة في تدمر ودورا أوروبوس الرب شدرافا (رب الشفاء) وهرقل والأرباب الذين يمتطون الخيل أو الجمال والتي يصعب تمييزها أحياناً فيما إذا كانت تمثل جنوداً أو أناساً عاديين كما هو الحال في منحوتات تدمر.ونجد التقارب في العبادة والفن من خلال الرسوم الجدارية لربة النصر من دورا أوروبوس وقرينتها في تدمر التي تبدو أيضاً في الرسوم الجدارية بالمقابر. كذلك نجد التشابه الكبير في المنحوتتين اللتين عثر عليهما في دورا أوروبوس وهي من الفن التدمري الذي لا يرقى إليه الشك. المنحوتة الأولى تمثل إلهة حامية لتدمر جالسة على جبل بجانبها أسد تضع قدمها اليمنى على كتف امرأة عارية الجسم بوضع سباحة وعلى رأسها تاج بشكل جدار وعلى يسارها تبدو تيكة بدون أجنحة تحمل سعف نخيل وباليد الأخرى إكليلاً، وعلى يمينها يقف كاهن بثياب تدمرية. وتحمل المنحوتة كتابة تدمرية في الوسط: "حامي تدمر صنع من قبل حيران ابن ملكو ابن ناصور في شهر نيسان سنة 470=159 م" والمنحوتة الثانية تمثل الإله حامي دورا جالساً وعلى يمينه صورة نيكاتور سلوقس يرفع بالإكليل وعلى يساره كاهن تدمري وتبين الكتابة التدمرية واليونانية على نفس النص: "إله حامي دورا صنع حيران ابن مليكو ابن ناصور في شهر نيسان سنة 470=159 م".
وهكذا نجد في هاتين المنحوتتين ليس فقط الفن التدمري والأسماء التدمرية بل المساواة بين إله تدمر وإله دورا. وتتميز دورا كما مر ذكره بتعدد أربابها التي نقلها التدمريون إليها والمعروفة في تدمر.
4ـ العلاقة اللغوية بين تدمر ودورا أوروبوس:
مدينة دورا كغيرها من المدن الفراتية وتدمر والمدن السورية الأخرى شهدت مرور الشعوب التي استوطنت المنطقة كالعموريين والآراميين والفرس والسلوقيين. وقد قام العديد من الباحثين بدراسة مسألة اللغة التدمرية ووضعت لها كتب القواعد والمعاجم والترجمة وتم إسنادها إلى اللغة العربية بلهجاتها الشمالية وهي اللغة التي تخاطب بها التدمريون في حياتهم اليومية بالإضافة إلى لغة الكتابة الآرامية والكتابة اليونانية. وقد بقيت اللغة الآرامية لغة واسعة الانتشار شملت الشرق القديم رغم وجود اليونانية التي بقيت لغة رسمية حتى العصر الروماني. ونستطيع أن نرجح انتشار اللغة التدمرية في دورا أوروبوس واستعمالها كلغة متداولة في الحياة اليومية واستعمال الكتابة التدمرية كشكل من أشكال الكتابة الآرامية على أوراق البردي والرسوم الجدارية ومنقوشة على التماثيل والمنحوتات إضافة إلى استعمال الخط الفهلوي واليوناني، وقد استعمل سكان دورا نفس الأرقام التدمرية في كتاباتهم واستعملوا التاريخ السلوقي الذي أرخ التدمريون به كتاباتهم.
5ـ العلاقة الفنية بين تدمر ودورا أوروبوس:
يبدو الفن في دورا مختلفاً ويعكس عناصر شتى منها رافدي قديم وفارسي ويوناني وتدمري وذلك بالطبع يعود إلى تأثر سكانها واحتكاكهم بالشعوب المختلفة ولا نجد في هذا الفن ميزة تجعله منفرداً عن الفنون.
وكما هو الحال في تدمر فإن الفن تأثر بالفرثيين في بلاد ما بين النهرين وبالفن اليوناني الذي امتزج بالفن الشرقي في العديد من المدن اليونانية الشرقية مثل سلوقية والحضر وآشور ونجد في فن النحت بعض المجموعات ذات النمط الفرثي ومجموعات تعتبر تقليداً للفن اليوناني ذي المسحة الشرقية ومجموعات ذات نمط تدمري منها ما يشابه المنحوتات التدمرية القديمة التي تعود إلى أواخر القرن الأول ق.م، ومنها ما هو تدمري صرف جلبت حجارتها القاسية والمميزة من تدمر ونقشت بأسلوب تدمري لا يرقى إليه الشك. وأغلب المنحوتات في دورا كانت ملونة وبصورة خاصة الشفاه والعيون والشعر على غرار بعض المنحوتات التدمرية التي عرفت التلوين أيضاً. ويبدو التأثير الفارسي وخاصة في اللباس وكثافة الشعر كما يبدو في منحوتة الإله عفلد ومنحوتة عشيرو وسعد.
لقد برع التدمريون في فن النحت وأتقنوه اتقاناً ساعدهم ذلك في نوعية الحجارة أما في دورا أوروبوس فإن نوعية الحجارة أو عجينة الجص لم تساعد فنانيها على الرقي بتماثيلهم إلى الدرجة التي وصلها الفنان التدمري ولكن عند استعمال الحجارة التدمرية نفسها فإن التماثيل تبدو قريبة جداً بجمالها وتفاصيلها من المنحوتات التدمرية كمنحوتة حامي تدمر ومنحوتة الفتاة التي تبدو بحركتها البسيطة حيث تمد رجلها اليمنى مستقيمة بينما اليسرى مثنية إلى الأمام قليلاً وتمسك بيدها اليمنى طائراً تضعه على صدرها وباليسرى عنقوداً من العنب وترتدي ثوباً ذا أكمام طويلة وشكل الثوب وطريقة لبسه ولفه حول اليد اليسرى ثم الكتف كلها عناصر تدمرية.
كذلك يبدو الفن التدمري واضحاً في منحوتة الربة نيميسيس التي تقابل الربة (منوه) إلهة المصير أو الانتقام. حيث تبدو واقفة على اليمين وعلى يسارها يقف كاهن بينهما في الأعلى إله الشمس ضمن هالة الشعاع. وفي الأسفل أسد مجنح برأس نسر يستند على دولاب. وفي أسفل المنحوتة كتابة تدمرية "عمل ووهب من قبل مالوخا ابن سوادي التدمري إلى نيميسيس في عام 540=228 م" والخط اليوناني بنفس النص المذكور. وتتشابه مواضيع المنحوتات في دورا أوروبوس مع المنحوتات التدمرية ذات المواضيع الدينية كمشاهد الأرباب ومشاهد الطقوس الدينية مثل تقديم البخور ومشاهد الآلهة أو الأشخاص على خيول أو جمال ومشاهد حيوانات خرافية. ونجد الندرة في التماثيل البرونزية كما هو الحال في تدمر أيضاً.
أما القرابة العميقة بين الفنين فنجدها في الرسوم الجدارية الملونة (الفريسك) التي عثر عليها في مقابر تدمر من جهة وفي العديد من المعابد والحمامات والبيوت السكنية في دورا من جهة أخرى. وتتميز اللوحات بطابعها الشرقي القديم، فألوانها تشبه السجاد باللون الأحمر والأسود والأخضر والأصفر. وتبدو التأثيرات التدمرية في لوحة الكاهن كنون وأولاده، التي تستقي موضوعها من التقدمات التدمرية وتبدو صور الأشخاص على الوصف التالي "العيون ثابتة إلى الأمام والأشخاص واقفون على صفين ومحددون تحديداً واضحاً وكل يحتفظ بفرديته رغم قيامهم بعمل مشترك". كذلك تبدو التأثيرات التدمرية واضحة في اللوحة التي وجدت أيضاً في معبد بعل بدورا أوروبوس فالإله بعل يحيط به شريكاه يرحبول وعجلبول بلباسهما العسكري وأسلحتهما المستندين عليها.
أما اللوحة التي عثر عليها في معبد زيوس ثيوس فتبدوا عليها ربة النصر مع أشخاص واقفين بلباسهم الطويل وعمائمهم الاسطوانية الطويلة تتشابه مع ربة النصر في مدفن الإخوة الثلاثة بتدمر. ونجد أيضاً العديد من الرسوم الجدارية الأخرى يظهر فيها النمط واللباس الفارسي على شاكلة بعض المنحوتات التدمرية المعروف فيها الزي الفارسي.
أما بالنسبة لفن العمارة فقد أخذ الشكل العام للمخطط العمراني بمدينة دورا ومنذ نشأتها تنظيم المدن الهلنستية التي أقيمت في سورية. وبهذا تختلف عن تدمر التي لم تتبع في عهدها الأول مخططاً عمرانياً محدداً، بل أخذت تتسع وتنتظم مع تطورها وازدهارها الاقتصادي إلى أن وصلت إلى هذه العظمة والروعة بتنظيمها بشوارعها وتتربيلها وساحاتها ومعابدها ومسرحها وحماماتها ومعسكرها وقبورها. إن أسلوب البناء المتبع في دورا أوروبوس أخذ الطابع الشرقي، فغالباً ما نجد في معابدها العديدة النمط العمراني المعروف ببلاد الرافدين والمؤلف من عدة غرف تحيط بساحة مركزية تلفها الجدران من الخارج ولا تخرج البيوت السكنية بصورة عامة عن هذا الطراز فنجد التشابه ما بينها وبين دور العبادة.
استعمل في بناء المعابد والبيوت الحجارة والجص التي اقتصرت على الأساسات وعلى عدة مداميك ثم تم إكمال بنائها باللبن. وهذه طريقة نجدها في بناء البيوت في تدمر واقتصر استعمال الجص أيضاً على تزيين الأفاريز والنوافذ، وزينت بعض البيوت وخاصة بيوت الطبقة الميسورة بالرسوم الجدارية على طبقة من الجص على نمط اللوحات الجدارية التي شاهدناها في المعابد. أما الأبنية العامة كسور المدينة وقصرها وقلعتها فقد شيدت بالحجارة المنحوتة. ولو كانت هذه الحجارة بقساوة ونوعية الحجارة المستعملة في تدمر لوجدنا من دورا أوروبوس بأسلوبها الشرقي وتخطيطها الهلنستي صورة مصغرة عن عاصمتها تدمر ومع ذلك تبقى كل منهما مدينة القوافل على طريق الحرير.
أسعد المحمود
الحوليات الأثرية العربية السورية|المجلد الثاني والأربعون|1996