العربي لا يغنّي بالصينية ولو لعب دوره راقص صيني 04/نيسان/2008
لا تزال الصين بعيدة، ذلك ما لمحه مَن حضر افتتاح مهرجان الفنون الصينية في دمشق، مساء الثالث من نيسان، ووفقاً لما تم الإعلان عنه مسبقاً، دخل الحضور صالة دار الأوبرا وهم ينتظرون متابعة المسرحية الراقصة «لحن دونهوانغ» (قدم في عرضين أمس وأمس الأول)، من دون أن يستعدوا للمنبر الخطابي الذي كان عليهم الإصغاء إلى كلماته لأكثر من نصف ساعة، فوجئوا به كما فوجئوا بالحضور الرسمي من قبل مسؤولين رفيعين في الحزبين الشيوعي الصيني والبعث العربي الاشتراكي في سورية.
الكلمات امتدحت تطور العلاقات العربية الصينية وعمقها التاريخي: ذلك فحوى ما قاله وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان آغا. ولأن الصين بعيدة، لم تستطع «شهرة عمران» ممثلة أمين عام جامعة الدول العربية، التي ترعى المهرجان أيضاً، أن تكبح ابتساماتها فيما تستغرب نظراتها بخفة ما تنقله المترجمة الصينية بجوارها إلى لغتها الأم! لكن لغة ممثلة الجامعة، بدورها، أثارت استغراب الحضور العربي، بسبب اللكنة واللفظ المكسور. وجاء كلام السفير الصيني بدمشق، لي هو شيم، ليكمل المفارقة: عندما صعد ليلقي كلمته، لم يكن أحد بجواره للترجمة. وصفق الحضور الصيني لأمر لم يفهمه نظيره العربي، لكن تصفيق ناطقي العربية جاء أقوى، عندما باغتهم الحضور القوي للغة الضاد في فم السفير الصيني، وجعلت فخامة نطقه الأمر ملتبساً في البداية، فظن البعض أن الترجمة تأتي من الكواليس!
هذه المفارقة رطّبت جفاف الخطاب والانتظار. بعد ذلك أُزيح ستار المسرح عن كرنفالات من الألوان: ألوان الديكور الذي كان عبارة عن مساحات واسعة من الأوراق والأغصان، على شكل الرواق، مقنطرة على الخشبة، وخلفها رسوم كبيرة تتبدل. واستلهمت فرقة أوبرا مقاطعة «قانسو» الصينية رقصاتها من قصص النقوش والنحت الحجري في كهوف «موقار» في «دونهاونغ» الصينية التي يعود تاريخها إلى ألف وسبعمائة عام. ونزلت الأساطير والحكايات من اللوحات الجدارية على الخشبة، وبعضها كان في الأساس رقصات منقوشة في الكهوف. وفي بداية كل رقصة يحضر راقص يجسد من نقَش تلك الصور ليحييها في لوحات تتتالى، وفي غمرة هذا الإحياء تأتي مغنية بصوتها الدافئ الذي يستحضر قصة الملاك «في إتيان»، وأسطورته التي ترمز إلى الحظ والسعادة. والأمر ذاته يحدث مع تقديم رقصة عن الطائر السحري الذي صورته النقوش آتياً من أسرة ملكية غابرة، نصف جسمه إنسان ونصفه الآخر طائر.
كانت رقصات تنقل بعناية أدق تفاصيل الحكاية، فالملاك الراقص ليس أقل من صورته ورمزيتها، والطائر كأنه من صلب قوس قزح، ورقصة الحوريات بجانب العينة السحرية لا تستقيم إلا إذا ترشرش على الخشبة ماء ذلك النبع وساحرته الشفافة. كما أن رقصة زهرة اللوتس لا تحضر إلا إذا غرق المسرح براقصات طافيات، يتموجن لابسات تلك الزهرة. هذه الملامح في التصميم والرقص هي تقاليد راسخة في المدرسة الصينية التي تركز على الإمتاع البصري، ودأبت على نقلها دار مقاطعة «قانسو» التي تأسست عام 1939، وقدمت أكثر من مائتي أوبرا، في فرنسا وهولندا وبلجيكا وهونغ كونغ وغيرها.
من روح الاحتفال بالتبادل الثقافي، قدمت الفرقة لوحة عن «طريق الحرير»، ومن ضمنها أغنية «جرس القوافل في طريق الحرير»، التي تصور التاجر العربي الزائر لبلاد الحرير، ويحضر بالكوفية والعقال. وعندما يتحول جميع الراقصين إلى كورس يردد الأغنية، يبقى هو الوحيد الذي لا يغني، بل يكتفي بهز رأسه والإنصات، فالعربي لا يغنّي بالصينية ولو لعب دوره راقص صيني، والتقاليد الصينية صارمة هنا.
|