الأيام الثقافية التونسية في سورية
04 12
زمان الوصل بين بلدَين شقيقَين
كلُّ مظاهرِ الثقافة حاضرةٌ، والأماكنُ المخصصة للفعاليات ساحةٌ نشاطِ ملفتة، تدلِّل على عظمة الإرث الفكري والثقافي الذي يحمله هؤلاء المبدعون الطيبون «التوانسة» بكل تأكيد؛ إذ كانت الأيام الثقافية التونسية علامة فارقة، خاصة أنها أتت بالتزامن مع قرب انتهاء فعاليات دمشق عاصمة للثقافة العربية.
إن تونس آخر دولة عربية تقيم فعاليات أيامها الثقافية في سورية خلال هذا العام، وقد استطاع أبناء تونس -من فنانين وفنيين ومثقفين- أن يوصِلوا رسالة رائعة تدل على العمق الحضاري لهذا البلد، والصبغة العروبية في تراثه، وثقافته، والحضارة، وانفتاحه على الآخر. على مدى الأيام الثقافية التونسية، أثبت التوانسة أنهم أهل لثقافة عريقة، إذ جاءت الفعاليات على قدر عالٍ من التميز، كما كانت شاملة ومتنوعة.
ففي دار الأسد، كان معرض الكتاب الذي احتوى كتباً مميزة لأهم أدباء تونس، ومفكريها، وأعلامها، منذ ابن خلدون حتى اليوم؛ إضافة إلى معرض للأزياء الشعبية والفلكلورية، وصور لجوامع من الديار التونسية، مما يُظهر الجمالية العمرانية ليس فقط في تونس بل في بلاد المغرب العربي كاملة.
ولم ينسَ الأشقاء السينما، فقد شهدت سينما الكندي عرضَ مجموعة من الأفلام التونسية، هي: «الموعد» إخراج سارة العبدي، و«آخر فيلم» لنوري بوزيد، و«قطار قطار» لتوفيق الباهي، و«كحلوشة» لنجيب القاضي، و«فيزا» لإبراهيم لطيف، و«التلفزة جاية» للمنصف ذويب.
أما الفرقة الوطنية التونسية للفنون الشعبية فلم ترضَ أن تقدّم عروضها في دمشق فقط بل جالت في حلب وحماة أيضاً في حفلَين متتاليَين، وحذا حذوها الشعراء التوانسة آمال موسى ومحمد علي اليوسفي والجليدي العويني، فأحيَوا أمسياتِهم في دمشق، وحمص وحماة.
بدورها فرقة فو المسرحية حملَت عرضها «هوى وطني» إلى متحف القدم لتقدم مسرحاَ من لحم ودم، يعرض هواجسه وقضاياه المعاصرة برؤية مسرحية خاصة به تبدأ من اختيار المكان للعرض ولا تنتهي بانتهائه طبعاً. كما كان للموسيقى حضورها، فقد كان أداء «فرقة العازفات» في حفل الافتتاح بقيادة أمينة الصرارفي الحاصلة على شهادة في قيادة الأوركسترا من باريس، فقد كان ملفتاً للاهتمام.
من جهته، يقول عبد الكريم الوكيل -مدير الشؤون الإدارية في اللجنة الثقافية التونسية- في تصريح لـ«اكتشف سورية»: «أردنا من خلال الأيام الثقافية أن نوصل رسالةَ الشعب التونسي إلى الجمهور السوري، من خلال كل الميادين الثقافية وظاهرها، وأن نجسد إرادة الشعبَين في التواصل الفكري والحضاري، خاصة أنهما أصحاب حضارة وإرث عريق، ونتمنى أن نكون عزَّزنا حالة التواصل المعرفي والثقافي».
سلام الختام:
صوته المنقذ من بحر الاستهلاك، ورسالته في السلام والتواصل التي يجول فيها بلدان العالم، تجليا في حفل ختام فعاليات الأيام الثقافية التونسية، على مسرح الدراما بدار الأسد؛ فقد أبدع لطفي بوشناق في أدائه، وأغانيه، وحسه الراقي الذي تجلى للحضور من تفاعله وحركته على المسرح، إذ ترك مقعده في كل مرة صفق له الجمهور فيها لينهض وينحني انحناءة السنبلة الممتلئة عطاء وفناً. على مدار الحفل، قدّم بوشناق باقة من أغانيه المميزة، رددها الجمهور من السوريين والتونسيين معاً، ليؤكدوا جمالية الفن وعظمة رسالته والتوق للفن الأصيل، كما تقول أغنيته: «عطشان للفن عطش الجناحين للريش...».
ولم ينسَ مطربُ الوجع العربي أن يرثيَ حال العرب السياسية ويسخر من تردي أوضاعهم في أغنية «تكتيك» ليغني بعدها للعراق، ويختم حفله الرائع بأغنيتي «لاموني إللي غاروا مني» و«سمرة يا سمرة»، حيث رددهما الجمهور وقوفاً معه في حالة تأثر واضحة بفن بوشناق ورقي أخلاقه وأدائه.
أحيت الأيام الثقافية التونسية زمنَ الوصل بين جناحي فينيقيا: سورية وتونس، كبلدَين يزخران بحضارة وإرث فكري عظيم.
عمر الأسعد
اكتشف سورية