ياسر المالح يتحدث عن الفالس في الغناء العربي
16 03
الفالس لم يفقد الأغنية العربية هويتها
إن ظهور أي تجديد في الفكر أو الفن يقابله الجمهور التقليدي بالرفض والإنكار، ومع مرور الزمن يصبح الجديد مألوفاً عند الكثير من الناس، ثم يصبح الجديد ذاته قديماً، ويأتي لون جديد من الفن أو رأي جديد في الفكر، فيزحم القديم ويحيله ذاكرة خلفية، والفالس في الغناء العربي محدود وقليل جداً، واستخدامها لم يفقد الأغنية العربية هويتها القومية والوطنية، لكونها في الأصل مألوفاً في السماعيات والموشحات.
في المركز الثقافي بالعدوي وفي السادس عشر من آذار قدم الأستاذ ياسر المالح محاضرة تحت عنوان «الفالس والغناء العربي»، تحدث فيها عن الفالس وموطنها عند الشعوب وأشهر من ألّفها، ثم تناول الفالس في الغناء العربي وأشهر من طعّم موسيقاه بإيقاع الفالس.
بداية أشار المالح إلى أن البعض يظن الفالس رقصة أرستقراطية ولدت في بلاط الملوك وأصحاب الألقاب الرفيعة، وترسخ هذا الظن من خلال الأفلام السينمائية الأجنبية والعربية التي قدمت هذه الرقصة في البلاطات والقصور، إلا أن الأمر خلاف ذلك تماماً فيقول المالح «نشأ الفالس في البيئة الفلاحية المتخلفة في ضواحي فيينا -عاصمة النمسا- ومناطق من جبال الألب المطلة على النمسا، إذاً فالفالس رقصة ألمانية فلاحية، وتعني الدحرجة والدوران والانزلاق. وفي أواسط القرن السابع عشر عُزفت الفالس في بلاط هابسبورغ، ودخلت لندن في بدايات القرن التاسع عشر. وفي عام 1934 شاعت هذه الرقصة في المجتمع الأمريكي وعند كافة المستويات من شرائح المجتمع».
يتابع المالح «ولعلّ أشهر من ألّف للفالس "يوهان شتراوس الابن" (1825-1899) حيث يُلقب يوهان الثاني بملك الفالس، غير أن أباه سبقه إلى تأليف مقطوعات الفالس ولقب بمؤسس عصر الفالس. من أشهر الفالسات التي ألّفها يوهان "الدانوب الأزرق" وهو أول فالس غنائي يؤديه كورال، والأغنية المؤداة قصيدة كتبها الشاعر كارل بيك. وألّف في السنوات التالية كثيراً من الفالسات منها "حكايات من غابات فيينا"، و"النبيذ والنساء والغناء"، و"فيينا الجديدة"، و"ألف ليلة وليلة". وفي عام 1888 ألّف "الفالس الإمبراطوري" على شرف الإمبراطور فرانسوا جوزيف الذي تسلم عرش فرنسا أربعين عاماً، ويعد هذا الفالس أجمل ما ألّف من فالسات».
أما ما يتعلق بالفالس في الغناء العربي فإن بعض الموسيقيين الذي عندهم علم شؤون الإيقاع يرون أن وزن الفالس معروف في الموسيقا العربية ويسمى الدارج أو بورك أو سربند مع اختلاف في المقاييس، ومن يتابع إيقاع بعض الموشحات عند أبي خليل القباني يلاحظ أن إيقاع بعض موشحاته قد كتب في نوطتها فالس أو سربند كموشح «يا غصن نقا مكللاً بالذهب» وموشح «الغصن إذا رآك مقبلاً سجدا»، إلا أن الفالس الغربي الذي وصل إلى مصر واستمع إليه أهل الفن لم يقربه أحد حتى ظهر محمد عبد الوهاب، وفيه يقول المالح «كان رأس المجددِّين في الموسيقا العربية وشعبنة الغناء في قوالبه المختلفة. وقد أتيح له الاطلاع على ما أنتجه الغرب في التأليف الموسيقي والأداء الغنائي، فحاول في وقت مبكر تطعيم موسيقاه وأدائه بما استقر في وجدانه من الموسيقا الغربية».
«وفي عام 1928 لحن أغنية "أهون عليك" من كلمات محمد يونس القاضي وأدى المقطع الأول والثاني منها بالطريقة الأوبرالية، والمقطعين الأخيرين على وزن الفالس، ثم غنى في عام 1937 أغنية "الظلم دا كان ليه" من كلمات أحمد رامي في فيلم "يحيا الحب". وهذان مثالان لأثر الفالس في بعض أغاني محمد عبد الوهاب، فقد كان الفالس مضمناً تضميناً مقصوداً لاختبار مدى تقبل الذائقة العربية للتجديد المقتبس من الموسيقى الغربية سواء في الأداء أو الإيقاع. وباعتبار أن أحداً لم يعترض على هذا التجديد فقد استمر محمد عبد الوهاب في محاولاته التجديدية الأخرى».
«أيضاً لُحن لعبد الحليم حافظ على وزن الفالس في أغنية "جبّار"، وغنت أم كلثوم على وزن الفالس في "أنت عمري"، و"دارت الأيام"، وكان أيضاً فريد الأطرش من متتبعي فن محمد عبد الوهاب وما يبدعه في أُطر القوالب والإيقاعات الغربية بصيغة عربية، فلحن عام 1944 على وزن الفالس أغنية "ليالي الأنس في فيينا" وسَجَّلت هذه الأغنية لفريد ريادته للفالس المغنّى بلا منازع. ونجد عند ليلى مراد ثلاث أغاني على وزن الفالس "أنا قلبي دليلي"، "ليلى بنت الفقراء"، "حبيب الروح". وفي ستينات القرن الماضي غنى محمد فوزي أغنية "يا نور جديد" بمناسبة عيد ميلاد محبوبته وكانت على وزن الفالس وقد استخدم الكورال والتوزيع الموسيقي على نحوٍ غير مسبوق لتأتي أغنية فالس غنائي كامل».
بعد كل ذلك يجد المالح أن «الفالس في الموسيقا الآلية المجردة العربية لا وجود له. فالعرب في الأصل أُمةُ غناء لا أمة موسيقا مجردة، وحقيقة الأمر أنه ليس هناك أكثر من ثلاث أغاني تعد من الفالس الغنائي الكامل، وهي "أنا قلبي دليلي"، و"إحنا الاثنين" وغنتهما ليلى مراد، و"يا نور جديد" غناها محمد فوزي، وقد جاءت الكلمات الغنائية جميعها زجلية لا قصائدية والوزن متباعد زمنياً. وكمحصلة نهائية أقول يبقى الفالس رقصة جميلة يؤديها الراقصون في الصالات الفخمة والمتوسطة دون أن تصل إلى المستوى الشعبي، ويبقى يوهان شتراوس الابن ملك الفالس بلا منازع».
رياض أحمد
اكتشف سورية