باسل الخطيب: السينما لا تستطيع أن تنجو من السياسة
22 تشرين الثاني 2014
.
تمكن المخرج السوري - الفلسطيني باسل الخطيب «هيلفرسوم - هولندا - 1962»، بعد تخرجه من معهد السينما «فغيك موسكو - 1987» من تحقيق أول فيلم له بعنوان «جنون - 1982» بعد إنجازه لأربعة أفلام روائية قصيرة أثناء دراسته، كان منها فيلمان عن القضية الفلسطينية؛ ليكمل بعدها مسيرته بثلاثة أفلام قصيرة أيضاً هي «قيامة مدينة» 1995، «مسارات من نور» 1995، «الحركة الخامسة» - 2001، وليأتي أول أفلامه الطويلة بعنوان «الرسالة الأخيرة» 2001، ليعود بعد عشر سنوات من الغياب عن الشاشة الذهبية بـفيلم «مريم» 2011، مؤسسة السينما، والذي حصد العديد من الجوائز كان أهمها الجائزة الكبرى في مهرجان الداخلة بالمغرب، وأخيراً أنهى العمليات الفنية على فيلمه الجديد «الأم»، مؤسسة السينما، ليحضر اليوم لفيلم من كتابته بعنوان «أهل الشمس».
«السفير» التقته وكان الحوار الآتي:
في أفلامك الروائية الثلاثة الأخيرة اشتغلت على ثلاثية المرأة السورية في زمن الحرب، كيف ترى إلى هذه التجربة؟
■■ ليست السينما فقط من توجه إلى موضوع المرأة، فالكثير من النحاتين والرسامين والمسرحيين كان معظم ما قدموه عنها، فالمرأة موضوع خالد؛ وهي مصدر إلهام وإشراق للكثير من المبدعين، لكنني في ثلاثيتي السينمائية عن «المرأة السورية في زمن الحرب» أحاول فهم ظروف المأساة وواقع تأثيرها في الكائن الأنثوي، فما كنتُ قد بدأتُه عام 2011 بفيلم «مريم» مروراً بفيلم «الأم» 2013، وصولاً إلى فيلم «أهل الشمس» الذي أستعد لتصويره بإنتاج من مؤسسة السينما، أتوج عبر هذا الفيلم الجديد مقولة ان المرأة هي الأكثر قدرة في النهاية على التمسك بالأمل والحياة بغض النظر عن قساوة المحنة التي تعيشها أو تمر بها.
السينما والحرب
لماذا تعتقد أن المرأة لا تزال موضوع بحث ومؤشراً صادقاً عما يجري اليوم على الأرض السورية؟
■■ في الحرب الخاسر الأكبر هو المرأة؛ كونها هي أكثر من يتعرض لفقدان الأب والأبناء والزوج، فبالتالي مأساة المرأة في الحرب تكون أعمق وأكثر إيلاماً؛ شخصياً أرى أن المرأة كإنسان فيها سر وشغلي في السينما على ثيمة «المرأة في زمن الحرب» هو محاولة اقترابي من هذا السر وكشفه وكشف دواخله؛ أهم الأعمال الإبداعية وخصوصاً الأدبية فيها قاسم مشترك، لا سيما الأدب الرومانسي في القرن الثامن عشر، والأدب الواقعي في القرن التاسع عشر؛ دائماً كانت تصور المرأة في هذه الأعمال أن لديها نزعة للحرية أقوى من الرجل؛ وهي مستعدة لتدفع ثمن هذه الحرية أكثر من الرجل؛ وبالتالي هي تجسد قيمة تستحق أن نتحدث عنها ونسلط الضوء عليها.
ماذا تستطيع السينما أن تفعل في زمن الحرب، هل هي وثيقة، هل لديها دور ملموس في الحياة السورية في زمن بات مفتوحاً على كل الاحتمالات؟
■■ البعض يعتقد أن الحديث عن السينما نوع من الترف، لكن تجارب الشعوب مع هذا النوع من الفن أثبتت أن السينما هي الفن الأكثر قدرة على تسجيل الزمن والتعبير عنه؛ والحفاظ على النقاط المفصلية لهذا الزمن وذاك؛ بالعكس في سورية نحن مطالبون كسينمائيين بأن نشتغل أفلاماً ستبقى ربما وثائق تاريخية وفنية عن المرحلة التي نعيشها اليوم كبشر؛ والحرب كمادة سينمائية لا يمكن أن تنتهي بانتهاء الحرب؛ كون الحرب تبقى آثارها مستمرة لأجيال وأجيال؛ فحتى الآن الروس يشتغلون أفلاماً عن الحرب العالمية الثانية وعن مدى آثارها المدمّرة على الشعب الروسي، المأساة السورية أيضاً بحاجة إلى عشرات الأفلام حتى تتحدث فعلياً عما يجري في سوريا؛ وصدقني عندما تعرض هذه الأفلام خارجاً تأثيرها سيكون بالغ الأثر، وهذا ما لمسته من خلال عرض فيلم «مريم» لأكثر من جمهور وفي أكثر من صالة؛ سواء في الوطن العربي أو حتى في أوروبا كمهرجان لاهاي بهولندا الدولي، ومن بعده في مهرجان موسكو الدولي.
ماذا عن الرقابة على أفلامك؟ كيف تتعامل معها في ظل تطاحن عدة روايات سياسية كل منها تريد إثبات نظر هذا الفريق أو ذاك؟
■■ لقد تجاوزت موضوع الرقابة منذ زمنٍ بعيد، ولا يوجد رقيب حريص على الفيلم أكثر من المخرج نفسه، ولا أقبل أبداً أن يأتي رقيب ويملي علي شروطاً لرقابة سياسية أو وطنية أو أخلاقية، هذا الكلام مرفوض بالنسبة إلى مخرج مثلي لطالما كان ملتزماً بقضايا وهموم شعبه؛ فبعد سنوات طويلة من العمل في السينما أو في التلفزيون ترسخت لدي قناعات معينة لا يمكن أن أشطبها اليوم وأعمل على قناعات أخرى؛ وبالمناسبة مساحة الحرية التي نتحرك فيها هي مساحة كبيرة، واستطعنا حتى الآن أن نقول كل ما نفكر فيه كسينمائيين؛ حتى لو كان هذه المواضيع على خلاف مع مؤسسة الرقابة الرسمية؛ بالأخير هذه وجهة نظري، الآن لستُ مضطراً للتحايل على الرقابة كما كانت هي الحال قبل سنوات الحرب؛ المطلوب اليوم أن أوصل رسالتي من دون لف أو دوران. فلم أفكر ولا لحظة أن أجسّد دور القديس المضطهد في وطني، هذا موقف أموت ولا أضع نفسي فيه.
هل نستطيع القول إن ما تقدمه اليوم هو سينما صنعت على غفلة من الحرب؟
■■ لا، فالسينما التي أشتغل عليها ليست الحرب، السينما التي أعمل عليها وأشعر بالمسؤولية نحوها هي سينما قضيتها الأولى والأخيرة الإنسان، وهذا ما سأركز عليه في فيلمي القادم «أهل الشمس» حيث وحّدت الحرب أناساً من مختلف المشارب ولديهم خلافات عميقة سياسياً؛ لكن الحرب لها منطقها الخاص في صهر البشر وإذابتهم على مسرح الصراع نفسه؛ لاحظ اليوم أن المحنة السورية خلقت نمطاً جديداً من العلاقات ومن التناغم والانسجام بين مجموعات الصراع؛ مثلما خلقت تفكيراً جديداً بالفنون وبالكتابة؛ وهذا وللغرابة يأتي من باب البراغماتية التي أملتها الحرب على الجميع؛ هي ببساطة شروطٌ جديدة للعيش واستمرار الحياة في أقسى الظروف.
لكن هل تستطيع السينما أن تقف على الحياد، كيف تنجو السينما من كل الإحالات السياسية وروايات أطراف الصراع؟
■■ السينما لا تستطيع أن تنجو من السياسة والأيديولوجيا، لكن الأمر يتوقف برأيي كيف تقدم هذه السياسة من خلال السينما، هذا أمر فني بحت.
فلسطين
حتى الآن لم تقدم فيلماً عن فلسطين، وأنت من قدّم أعمالاً عنها في التلفزيون؟
■■ كل شيء يحدث في العالم العربي لا بد من أنه في النهاية يتمحور حول فلسطين، وما لم يتوصل العالم إلى حل عادل لهذه القضية فستبقى هذه المنطقة مشتعلة، في فيلم «مريم» قدمت شخصية فلسطينية لاجئة، وأملي وطموحي أن أقدم عملاً سينمائياً عن الحق الفلسطيني، لكن عندما تفكر كسينمائي بتقديم عمل عن فلسطين سترى أنه لا أحد يرغب في نوع كهذا من الأعمال، ولا يريدون أن يقدموا شيئاً لهذا الجرح المفتوح؛ القيادات الفلسطينية المتعاقبة كانت في معظمها قيادات متخاذلة لم تستطع أن تعطي المجال للسينمائيين كي يقدموا شيئاً؛ مرات كثيرة حاولت أنا مع العديد من المخرجين الفلسطينيين أن نعمل على مشروع سينمائي عن فلسطين وبتمويل فلسطيني، لكن مع الأسف كل مرة كان الخذلان من هذه القيادات حليفنا.
الجميع متحفز ليعرف عن فيلم «الأم» هل سنشاهد فيه الأسلوبية التي اتبعتها في فيلم «مريم»؟
■■ الأسلوبية واحدة كونني أنا من يقوم بتحقيق هذه الأفلام؛ لكن أستطيع أن أقول إن «الأم» مختلف عن «مريم» و«أهل الشمس» سيكون مختلفا عنهما؛ ففي «مريم» عملت على بناء زمني متداخل ومعقد وأعتقد أنه كان من العيار المأساوي الثقيل؛ أما في «الأم» فلجأت إلى حكاية إنسانية بسيطة مستوحاة من حادثة واقعية جرت في سورية أثناء سنوات الحرب الثلاث المنصرمة؛ وهي قصة عن عائلة تتعرض للشتات وكيف يتصرف أفراد هذه العائلة عند سماع موت أمهم، وكيف استطاعت هذه الأم أن تجمع أبناءها بموتها؛ الفعل الذي لم تستطعه هذه الأم وهي على قيد الحياة؛ طبعاً هنا الحكاية والمعالجة السينمائية أبسط بكثير من فيلم «مريم» الذي كان يتوقف على مقاطعته بين عدة أزمنة، وهذا ما سأعود إليه في فيلمي الجديد «أهل الشمس» الذي كتبتُ له السيناريو معتمداً على تداخل زمني يروي حكاية شخصيات مزقتها الحرب؛ وحرمتها من أجمل شيء فيها؛ عبر رحلة حياة امرأة تعمل في مجال التصوير الصحافي بدمشق والمحطات التي تواجهها أثناء هذه الرحلة؛ لتجد نفسها بعد أن كانت تصور الحياة والفرح والحب، صارت في ظل الحرب تأخذ صوراً للخراب والموت والدم.
سامر محمد اسماعيل
جريدة السفير اللبنانية