الدراما السورية 2014.. تشتت في المواضيع وتفاوت في نسب المشاهدة الجماهيرية
05 آب 2014
.
أعادت الدراما السورية في هذا العام إثبات وجودها على مساحة البث التلفزيوني العربي عبر إنتاج عدد جيد من الأعمال الدرامية التي تنوعت مواضيعها وسويتها رغم كل الظروف الإنتاجية الصعبة التي رافقت التصوير والتسويق فمن المسلسلات ما صور في سورية ومنها ما تم إنتاجه في الخارج.
وكعادتها تنوعت الأعمال الدرامية السورية من حيث المواضيع التي قدمتها فحصد كل منها نسبة من مشاهدة الجمهور السوري والعربي بحسب الطرح الذي قدمه والشكل الفني المعتمد للعمل كما كان لأسماء الفنانين المشاركين في كل عمل الدور الأكبر في تسويق المسلسلات لدى القنوات والجمهور.
الأعمال التي اقتربت من الأزمة المعاشة منذ أكثر من ثلاث سنوات كان لها خصوصية من حيث تقبل الجمهور السوري لها وكانت مختلفة عن العام الماضي من حيث المباشرة في الطرح والعمق في الفكرة والنص فكان هناك أعمال اعتمدت الخماسيات في تقديم رسائل درامية تدعو إلى العودة للحب والتسامح والألفة بين الناس لتجاوز الحفرة العميقة التي هوى فيها المجتمع كمسلسل الحب كله الذي أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني وأخرجه عدد من المخرجين المنتمين لأجيال مختلفة وشارك في كتابته أيضا عدد من الكتاب مع تواجد واسع لأسماء من الفنانين السوريين في هذا العمل.
تقول نسرين المط محامية: «إن مسلسل الحب كله قدم وجبة من الحب للمجتمع السوري كنا بأمس الحاجة لها فشكل هذا العمل مساحة من التأمل والتفكير في مجمل ما نتعرض له يومياً لإعادة العلاقات بين الناس إلى سابق عهدها من الحب والألفة».
ويوضح الشاب فايز عبد الله أن اعتماد مسلسل الحب كله على مبدأ الخماسيات أتاح فرجة ميسرة له من قبل الجمهور في شهر رمضان وأبعده عن الإطالة والحشو فقدم مواضيع متنوعة ومكثفة وبرؤى فنية متنوعة وبوجوه متعددة.
وقدمت بعض الأعمال الأزمة في سورية بشكل مباشر وبتناول أقرب للسينما فمنها ما قدم صورة للحرب كمسلسل حلاوة الروح من تأليف رافي وهبي وإخراج شوقي الماجري ضمن حبكة درامية مشوقة ومنها ما لجأ لخلط تفاصيل الواقع الصعب بالأحداث القائمة بين الشخصيات كمسلسل قلم حمرة من كتابة يم مشهدى وإخراج حاتم علي.
وتوضح سلام التقي مدرسة لغة عربية أنها تابعت مسلسل حلاوة الروح الذي قدم قصة بأحداث متداخلة مستعرضا واقع ما يحدث على الأرض السورية ومقدما لرؤى متنوعة حول الأزمة وبأسلوب إخراجي سينمائي واقعي قدم المعارك ومعاناة الناس ومدى إجرام الجماعات الإرهابية وممارساتها الاجرامية حتى فيما بينها.
ويعبر سامي حنا طبيب أسنان عن اعجابه بمسلسل قلم حمرة الذي يقدم نوعا جديدا من الدراما ويغوص في التفاصيل الإنسانية لأبطال العمل بأسلوب جديد كما أنه يستفيد من الواقع الصعب الذي نعيشه لتقديم صورة تلفزيونية متطورة اقرب للسينما ولكنه من جهة أخرى كان مفرطا في التنظير والكلام على حساب الأحداث الدرامية.
الكوميديا كانت حاضرة في أعمال هذه السنة لكن بقالب الكوميديا السوداء الذي قدم صورة هزلية لواقع مرير يعيشه المجتمع السوري وبقالب فني متمكن لعله كان الأفضل بين الأنماط الاخراجية المقدمة هذا العام حيث جاء كل من مسلسل ضبوا الشناتي للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو ومسلسل بقعة ضوء 10 للمخرج عامر فهد ومن تاليف عدة كتاب حاملين عددا كبيرا من الاختزالات والإشارات والأفكار للإنسان السوري في ظل الأزمة.
وتقول رولا محمد طالبة جامعية: «إن مسلسل ضبوا الشناتي كان ممتعا وقاسياً في ذات الوقت فهو من الناحية الفنية متكامل الشروط في القصة والإخراج والأداء ومن جهة أخرى وضع يده على الجرح من خلال تفاصيل المعاناة التي نعيشه».
أبو صالح الدباس تاجر معدات صناعية يبين أن مسلسل بقعة ضوء صار من عادات المشاهدة لدى المواطن السوري في كل عام لافتا إلى أن العمل في هذا العام كان أقرب لمشاكل الناس اليومية منه في العام الماضي.
وككل عام لم تخل أجندة الدراما السورية من أعمال البيئة الشامية التي صارت سلعة مطلوبة من قبل الجمهور والقنوات العربية مهما كان مستواها الفني أو الفكري فهي تعتمد على قاعدة قبول جماهيرية جاهزة لمتابعتها في أي شكل وتحت أي ظرف.
وتعبر لينا المؤذن الموظفة في شركة عامة عن استغرابها من عدم تطور هذا النوع من الدراما السورية مع الوقت فهي ما زالت تقدم صورة نمطية عن الحارة الدمشقية وعن المرأة في هذا المجتمع مع تجاهل شبه تام للجوانب الثقافية والتاريخية في دمشق كمسلسل باب الحارة الجزء 6 ومشتقاته من أعمال البيئة الشامية هذا العام مثل الغربال لم تقدم أي جديد على الصعيد الفني أو الفكري واستمرت في الابتعاد عن حقيقة البيئة الشامية.
القالب الاجتماعي تم تقديمه ضمن رؤى متعددة منها ما هو ناقد لسلبيات المجتمع بعيدا عن الأزمة كمسلسل القربان من كتابة رامي كوسا وإخراج علاء الدين كوكش والذي تدور احداثه قبل عام 2010 ويحكي عن العلاقات المنفعية والمصالح الفردية والفساد الأخلاقي.
ومن الأعمال الاجتماعية ما قدم أفكاراً منحرفة وغريبة عن المجتمع السوري ومليئة بالإثارة المجانية على مستوى الصورة والمضمون مثل مسلسل خواتم للمخرج ناجي طعمي ومن كتابة ناديا الأحمر وصرخة روح 2 لعدة كتاب ومن إخراج عدة مخرجين.
يقول حكمت مصطفى طيار: «إن من واجب الدراما تقديم سلبيات المجتمع لتتم معالجتها وتجاوزها ولكن من غير المقبول التركيز على خلل أخلاقي معين وتقديمه في مسلسل طويل وفي شهر رمضان على أنه ظاهرة متفشية كالوباء عند كل أبطال العمل تقريبا كموضوع الخيانة الزوجية الذي قدمه صرخة روح بجزئيه».
فدوى اسماعيل موظفة تسويق في شركة خاصة تؤكد أن توجه عدد من الأعمال الدرامية لتشويه المجتمع السوري لا يخرج عن الحرب المعلنة على سورية خاصة أن هذه المسلسلات تلقى رواجا لدى القنوات الفضائية العربية الممولة من الخليج وهي أعمال لا تشبه المجتمع السوري.
وحقق مسلسل بواب الريح من كتابة خلدون قتلان وإخراج المثنى صبح مشاهدة جماهيرية عالية حيث يقدم رؤية للمجتمع الدمشقي بعيدا عن أسلوب أعمال البيئة الشامية الفانتازية والمقولب طارحا لأحداث من التاريخ تحاكي الواقع الحالي.
تقول دعاء حسين معيدة جامعية «إن مسلسل بواب الريح قدم رؤية تاريخية واقعية لدمشق وابتعد عن النمط السائد الذي كرسته أعمال البيئة الشامية والشخصيات جاءت متنوعة بين الجد والهزل فكانت ممتعة كما أن الصورة كانت جميلة والموسيقا التصويرية معبرة خاصة أغنية الشارة التي أعطت هوية للعمل».
وتم إنتاج عدد من الأعمال هذا العام خارج سورية حيث قدم بعضها قصة بعيدة عن المجتمع السوري ويمكن ان تحدث في أي مكان من العالم كمسلسل الإخوة من كتابة محمد أبو لبن ولواء يازجي ومن إخراج سيف الدين سبيعي وسيف الشيخ نجيب حيث اقترب العمل من الأسلوب التركي في الدراما بعادات وتقاليد لا تمت بصلة لمجتمعنا ومسلسل لو من كتابة بلال شحادات وإخراج سامر البرقاوي الذي قدم قصة مأخوذة من فيلم أجنبي حول خيانة امرأة لزوجها بأسلوب اقترب من السينما.
ورغم تقديم صورة غريبة عن المجتمع السوري والاعتماد على الإثارة الزائدة في هذين العملين إلا انهما حققا نسبة مشاهدة جيدة على القنوات العربية التي عرضا عليها وفتحا أبوابا جديدة أمام الدراما السورية ما يشي بظهور أعمال مشابهة في المواسم القادمة.
وتقول فرح جوني طالبة جامعية إن مسلسل الأخوة استطاع التفوق على المسلسلات التركية ولطالما استفادت الدراما التركية من الممثلين السوريين في دبلجة أعمالها وتسويقها للجمهور العربي وتخالفها جوى الحموي ربة منزل في الرأي فتقول إن الدراما ليست للتسلية فقط فهي متابعة من فئات عمرية متعددة ويجب أن تحوي حدا أدنى من الأخلاقيات والعادات التي يتمتع بها مجتمعنا وإلا صار المراهقون والشباب يقلدون تقليدا أعمى ما يشاهدون فيها.
أحمد الخالد خريج كلية اقتصاد يقول: «أثبت مسلسل "لو" قدرة الدراما السورية على تقديم أعمال درامية بسوية عالية تحاكي الإنتاج السينمائي العالمي وهذا ليس بالخطأ فالفن يجب أن يكون غير محدود بقالب اجتماعي معين فهو في الأساس يتوجه للإنسان أينما كان».
وتخالفه سوزان صباغ موظفة بالرأي وتقول: «إن خروج الدراما عن تقاليد المجتمع الذي تنتمي إليه وتقديمها أعمالا تحاكي قصصا عالمية كمسلسل “لو” وتجاهل قضايا أكثر إلحاحا وأهمية اجتماعية قد يوقعها في مطبات كثيرة منها ان تفقد هويتها خاصة عندما تكون هناك منافسة شرسة من أنواع أخرى من الدراما كحال الدراما السورية والتي تواجه منافسة كبيرة من الدرامات العربية الأخرى».
كما احتوى الإنتاج لهذا العام أعمالا تنوعت بين اللايت كوميدي واللوحات الساخرة كمسلسلات نيو لوك ورجال الحارة وبحلم ولا بعلم وسن الغزال وحمام شامي والتي لم تحظى بمتابعة واسعة لعدم قدرتها على جذب انتباه الجمهور وابتعادها عن المضمون العميق والرؤية الفنية الاحترافية فكانت أعمالا يغلب عليها نمط التجريب أكثر منه الاحتراف أو التقليد بهدف الحصول على نجاح سهل ففشلت في ذلك.
بنظرة سريعة يتضح أن الدراما السورية اليوم تعاني من مشاكل كثيرة وتمر في طور تحول وبحالة عدم توازن وكأنها تبحث عن هوية جديدة لها فصار عدد من صناعها يتجهون في اتجاهات فنية متنوعة للتجريب وتقديم الجديد ومنهم من استسهل الإنتاج وقدم اعمالا هزيلة لا تحمل أي قيمة فنية او فكرية وهاربة من الواقع المعاش وظهرت أعمال دون المستوى وسوقت في القنوات الفضائية بأسعار زهيدة منافسة مسلسلات ذات سوية فنية أفضل.
إن الواقع الحالي للدراما السورية يستلزم حلولاً سريعة وجوهرية من قبل المعنيين بالإنتاج الدرامي لتقديم رؤية فنية واقعية واضحة لهذه الصناعة الوطنية المتفوقة وتحديد المطلوب منها وما تحتاجه اليوم لتقدم اعمالا تهم المواطن السوري وتحقق التفوق والمنافسة في السوق الدرامية العربية وبالتالي الربحية المادية والمعنوية.
محمد سمير طحان
سانا